الصحافة اليمنية

كتابات برّان | لماذا السلام غير ممكن مع الحوثيين؟ الكاتب | محمد الجرادي تشكل…

كتابات برّان |

لماذا السلام غير ممكن مع الحوثيين؟

الكاتب | محمد الجرادي

تشكل جماعة الحوثي إشكالية فريدة في سياق الصراعات الحديثة، ليس بسبب تعقيدات الوضع اليمني وحسب، بل لتناقض جوهري بين طبيعتها ككيان عقائدي عسكري ومتطلبات أي عملية سلام تقليدية. فالحوثية ليست حركة تمرد عابرة تسعى للسلطة أو للمطالبة بحقوق فئوية، بل مشروعا ايديولوجيا مغلقا يرفض فكرة الدولة بمفهومها الحديث، ويعيد تعريف مفاهيم الشرعية والسلطة والسلام وفق رؤية تستمد وجودها من استمرار الحرب.

هذا التعقيد لا ينبع من عوامل سياسية أو عسكرية ظرفية، بل من بنية ذاتية تستند إلى أربعة اركان متشابكة: عقيدة دينية مطلقة، وبنية وظيفية قائمة على الحرب كبيئة للتكاثر، واقتصاد ظل يعتمد على الفوضى، ووظيفة جيوسياسية كأداة في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية.

تنطلق شرعية الحوثيين من تأويل متطرف للمذهب الزيدي، يحول الحكم من مسالة سياسية قابلة للتداول الى حق الهي حصري في سلالة الهاشميين، وفق مفهوم الولاية في البطنين الذي يجعل السلطة امتدادا لتفويض سماوي لا يخضع للمساءلة.

هذا النسق العقدي – المدعم بمناهج تعليمية ودورات ثقافية الزامية – ينتج وعيا جمعيا بقدسية الحكم، ويجرم فكرة التعددية السياسية، حيث تعتبر المشاركة في السلطة خروجا عن الولاية. تجلى هذا المنطق بوضوح في اتفاق السلم والشراكة الوطني عام 2014، عندما استخدمت الجماعة التوقيع على الاتفاق كغطاء لاحتلال صنعاء عسكريا، معلنة بذلك ان التفاوض ليس سوى تكتيك مرحلي لتحقيق الاستيلاء الكامل على الدولة. لم يكن هذا الانزياح مجرد خيانة للاتفاق، بل تعبيرا عن رؤية تجير الدين لخدمة مشروع يرفض فكرة تقاسم السلطة جوهريا، ويعتبر أي تسوية سياسية تفريطا في عهد إلهي.

لا تقف العقيدة الدينية عند حد رفض التعددية، بل تمتد الى تأسيس سردية دائمة عن الاصطفاء الإلهي، تقدم الجماعة كحامل وحيد للحقيقة ومنقذ للشعب من الظلم. هذه السردية – التي تروج عبر خطاب ديني مجيش – تحول الصراع من نزاع على الموارد أو السلطة إلى معركة وجودية ضد الاخر الكافر، سواء كان النظام السعودي أو الحكومة اليمنية الشرعية. وبينما تعلن الجماعة دفاعها عن المظلومية الطائفية، فإنها تعمل في الواقع على تعميق الانقسام المجتمعي عبر فرض ضرائب غير قانونية باسم المجهود الحربي، وتحويل المساعدات الإنسانية الى سلعة تباع في الأسواق السوداء، واستغلال أزمات المدنيين كالمجاعة وانهيار الخدمات الصحية كادوات للضغط السياسي. وهكذا، تنتج الجماعة ازماتها الخاصة، ثم تقدم نفسها كمنقذ وحيد قادر على حلها، في حلقة مفرغة تعزز تمسكها بالحرب كوسيلة لترسيخ الشرعية.

والمفارقة تكمن هنا في ان الحوثيين لا يستخدمون العنف كوسيلة للوصول الى السلطة، بل يعتمدون على الحرب كبيئة ضرورية لاستمرارهم. فمنذ أول تمرد مسلح في صعدة عام 2004، تطورت الجماعة من مجموعة محلية إلى كيان عابر للحدود، مدعوم بتدريب وتسليح إيراني، يحول كل أزمة إلى فرصة للتوسع.

يعتمد هذا النموذج على دمج المؤسسة العسكرية بالدينية، حيث يخضع المقاتلون لدورات ثقافية تلقنهم تأويلات دينية متطرفة، بينما يتم تدريبهم عسكريا على تقنيات حرب العصابات.

هذه الآلية تخلق هوية مركبة تجعل الولاء للجماعة هوية وجودية تتجاوز الانتماء الوطني، وتنتج جيلا جديدا من المقاتلين الذين يرون في الحرب طريقا للخلاص الفردي والجماعي.

وفي الوقت نفسه، ترفض الجماعة فكرة احتكار الدولة للعنف المشروع، حيث تحتفظ بجيش مواز لا يعترف بسلطة المؤسسات الرسمية، مما يجعل نزع سلاحها – شرط اي سلام دائم – مستحيلا دون المساس بجوهر كينونتها.

لا يمكن فهم تعنت الحوثيين دون الغوص في اقتصادهم الموازي، الذي تحول من نشاط تمويلي بسيط الى شبكة معقدة تدر مليارات الدولارات.

المقال مكتملاً على الرابط في أول تعليق👇


بران برس
شبكة المسند اليمنية
المسند نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى