
كتابات برّان | اليمن بين مقابر السياسة وكؤوس الرياضة الكاتب | محمد الجرادي في …
اليمن بين مقابر السياسة وكؤوس الرياضة
الكاتب | محمد الجرادي
في كل مرة أفتح كتابا عن تاريخ الجمهوريات العربية أجد اليمن في الهامش، كأنه حالة استثنائية لا تصلح حتى للمقارنة. قرأت في “لماذا تفشل الأمم” أن الدول تنهار حين تحتكر النخب كل شيء وتمنع تداول الفرص كما تمنع تداول الأفكار. أغلقت الكتاب ولم أحتج إلى شواهد إضافية. كان يكفي أن أنظر إلى اليمن، حيث ظل الحكم يتداول بين وجوه محددة كأن الجمهورية ميراث عائلي لا عقد اجتماعي.
منذ ستين عاما تتكرر الأسماء في صدارة السلطة كما تتكرر الإعلانات التجارية المملة على شاشة قديمة. تداولوا الكراسي بينهم كما يتداول الورثة سجادة الجد: تغير مكانها من غرفة إلى أخرى لكن البيت يظل متهالكا. وفي الأثناء تناوبت الأجيال بين مطار مفتوح وصحراء مغلقة. من لم يسافر عاملا في مطاعم الخليج حمل بندقية في متارس مأرب أو صعدة أو شبوة.
الجمهورية فتحت للناس المدارس، وخرجت قرى بأكملها من الأمية، وتدفقت أجيال إلى مقاعد التعليم. لكن ما إن بدأت الثمار تنضج حتى جاءت الأسر المتنفذة لتقطفها وحدها. تحولت الشهادات إلى جوازات هجرة، وتحول التعليم إلى ممر ضيق لا يصل إلى السلطة. بقيت الدولة مجرد لافتة بينما السلطة محجوزة في صالونات النخب، تورث كما تورث الأملاك. وهكذا صار التعليم سلما للخروج من الوطن لا سلما لبنائه.
خذوا الرياضة مثلا: حين أعطي الشباب فرصة لقيادة المشهد حدثت المعجزة. منتخب الناشئين اليمني انتزع بطولة غرب آسيا، ثم وصل منتخب الشباب إلى نهائي كأس الخليج تحت 20 عاما بعد أن هزم منتخبات قطر والكويت وعمان وقد يخطف البطولة في النهائي من السعودية. هذه ليست مجرد مباراة كرة قدم، بل برهانا حيا أن الأوطان تحتاج إلى دماء جديدة لا إلى وجوه متكررة. الشباب الذين دخلوا الملعب بلا أرصدة ولا ألقاب عادوا بنتائج صنعت للفقراء عيدا ولليمنيين فرحا عابرا للحدود.
أما حين يقود الشيوخ السياسيون فلا نرى إلا بيانات جوفاء وخطابات معادة منذ عهد الإذاعة بالأبيض والأسود. النخب التي فشلت في صناعة دولة لم تفشل في صناعة مبررات. دائما هناك شماعة: الجغرافيا، المؤامرة، الاستعمار. بينما الحقيقة أبسط: النخبة نفسها.
التقيت شابا يمنيا يعمل في مطبخ بأوروبا. سألته لماذا لم تكمل دراستك؟ ابتسم وقال: اليمن أخذ شهادتي الثانوية وحولها إلى جواز سفر. جملة واحدة تختصر نصف قرن من الهدر. ملايين الشباب اليمني حولوا أحلامهم إلى تأشيرات، وتحولت حياتهم إلى غرف انتظار طويلة على أبواب فرص تأتي من خارج الحدود.
وفي المقابل هناك من لم يجد ثمن التذكرة فوجد نفسه يحمل بندقية.
اليمن تحت حكم هذه النخب يشبه بيتا بلا سقف. الجدران قائمة والزينة الخارجية موجودة لكن المطر يدخل من كل الجهات. نصف قرن من الفرص المهدورة: مشاريع توقفت قبل أن تبدأ، موارد منهوبة، وخرائط سياسية تعيد نفسها كل عقد. ثم جاء الإرث الأشد مرارة: جماعة خرجت من بطن هذا الخراب لتدمر ما تبقى، وتحول الحطام إلى عقيدة، والخراب إلى منهج حياة.
تكملة المقال عبر الرابط في أول تعليق👇
بران برس
شبكة المسند اليمنية
المسند نيوز
https://barran.press/articles/topic/11153