
كتابات برّان | لليمن وجهان.. اجتماعي وسياسي الكاتب | د. عمر منصر التنوع في الي…
لليمن وجهان.. اجتماعي وسياسي
الكاتب | د. عمر منصر
التنوع في اليمن، سواء في الجغرافيا أو الثقافات أو اللهجات، نعمة عظيمة إذا أحسنا فهمها ووسعنا صدورنا لها. فهذا يُعلّمك خُصلة حسنة، وذاك يعرّفك بأسلوب حياة مختلف، وآخر يُلهمك لفعل معين، وآخر يفتح لك بابًا للتعرف على لباس ولهجة جديدة. هكذا يتحقق التكامل في كل شيء، ويصبح التنوع وسيلة للتنافس على معرفة الآخر والاطلاع على مناقبه.
غير أن بعض الناس يرون أن هذه المنطقة أو تلك لا تناسبهم لاختلافها، بينما الحقيقة أن التباين غالبًا ما يكون في الأسلوب لا في الجوهر. ومن يسافر كثيرًا بين مناطق اليمن ويعيش بين أهلها، أو يعايشهم في بلاد المهجر، سيدرك أنهم، على اختلاف لهجاتهم وأنماط حياتهم، متشابهون في الجوهر، ويجد فيهم الكرم والشهامة والفزعة حيثما ذهب.
ولكي نتخلص من داء المناطقية، علينا أن نوسّع صدورنا، ونحب بعضنا، ونتسامى، ونحترم بعضنا، ونتقبل التباينات البسيطة التي فرضتها ظروف معينة، سواء كانت اجتماعية كالتباين بين أسلوب حياة أهل الحضر والبادية، أو سياسية كتأثير الصراع الحزبي وخلافات النخب.
دائمًا أقول إن لليمن وجهين: وجه سياسي ووجه اجتماعي.
الوجه السياسي هو ما نختلف فيه، وقد تسبب في كثير من التصدع والفرقة. والاختلاف في السياسة أمر طبيعي إذا كان تنافسًا شريفًا كما تفرضه الدولة الحديثة، لكننا تجاوزنا ذلك إلى “فجور الخصومة”. صارت اليمن أشبه بطريق متعدد الفروع والتقاطعات؛ تارة يجمع الحزب قبائل ومناطق تحت مظلة واحدة، وتارة ينقسم فيفتت الأسرة والقبيلة. ولا أعني بذلك إلغاء الأحزاب أو المجتمع المدني، بل وضع حدود فاصلة بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي، بحيث تبقى روابطنا الاجتماعية حصنًا يحمينا عندما تنحدر السياسة إلى فوهة بندقية لا تفرّق بين أحد وآخر.
أما الوجه الاجتماعي، فهو “أنا وأنت ونحن جميعًا” قبل أن تُولد مفردات السياسة والحزب. يجب أن تقوم السياسة على قاعدة راسخة من الأخلاق المجتمعية، الموروثة والمكتسبة من القبيلة ومؤسسات التعليم والحياة المدنية. علينا أن نتمسك بالأصول قبل الفروع. ولنا في بعض دول الجوار مثال، حيث حافظ أبناؤها على موروثهم وأخلاق أجدادهم، دون أن يغفلوا عن مقومات الحداثة.
علينا أن نعيد فهم المتغيرات في مجتمعنا، سواء كانت سلبية أو إيجابية، وألا نقيّم الفرد على أنه مثقف أو جاهل أو بدوي أو قبيلي استنادًا فقط إلى صور نمطية بالية اكتسبناها من أسرنا أو أحزابنا أو مجتمعاتنا الصغيرة. ولِمَ لا تكون هذه الحرب، رغم مآسيها، فرصة لإعادة ضبط شؤوننا الاجتماعية والسياسية معًا؟ فالتنوع المناطقي، حين يكون عاملًا للتكامل، يختلف عن العنصرية السياسية التي تقود إلى الاحتقار والاحتكار للسلطة. فإذا امتلكنا وحدة اجتماعية متماسكة، فإننا سنحافظ على بقائنا وأعراضنا وممتلكاتنا حتى في زمن الحرب، وسيتضاءل شأن المتعصب أمامنا، لا بإلغائه اجتماعيًا، بل باحتوائه في يمن أكبر لا يقبل إلا المساواة والمواطنة.
ولا نزكي أنفسنا، فكل منا نشأ في بيئة معينة، ثم اكتسب ثقافة سياسية خلال أطوار حياته، حتى أصبحنا كتلًا من الكراهية على أسس مناطقية وسياسية، وأحيانًا عرقية. صار لكل منا في مخيلته “يمني آخر” لا يشبهه. وهذه فطرة إنسانية تتضخم في زمن الحرب، لكنها تستدعي أن نختبر ذواتنا ونفكك عوالمنا الداخلية بعقول واعية وصدور رحبة، كما لو كنا في معركة تنتصر للذات اليمنية العليا.
أحيانًا أرى أن جزءًا من مشكلتنا في اليمن يعود إلى عدم اعترافنا أو إدراكنا لأسبابها، ومن ذلك تغافلنا عن التعرف الحقيقي إلى بعضنا البعض على المستوى الاجتماعي. فنحن نمارس الاستعلاء على بعضنا أحيانًا دون أن نعي ذلك، ونتجاهل خصوصيات كل منطقة.
تكملة المقال عبر الرابط في أول تعليق👇
بران برس
شبكة المسند اليمنية
المسند نيوز
https://barran.press/articles/topic/10742